يقال بأن ذاكرة الإنسان الطفولية أقوى بكثير من ذاكرته الحالية ، فقد يتذكر الشخص ماحصل له في عمر ست سنوات بينما لايستطيع تذكر ماحصل معه قبل أسبوع .

 مناسبة هذا القول هو استذكاري لجدتي الغالية التي غادرتنا في شهر رمضان قبل أكثر من سنوات عشر. غير أن فصول حكاياتنا لم ترحل معها، فقد تذكرت خبز الرقاق والمعروف كثيراً على مستوى منطقتنا، رائحته الزكية التي تسكن في الذاكرة كانت الشاهد على براعة  جدتي ونسوة الحي اللواتي اشتهرن بالعديد من الأكلات التراثية كالهريس والعصيدة وغيرها ، والتي ما إن تنتهي الأمهات  من إعدادها حتى يسارعن إلى توزيعها على الأهل و الجيران، في واحدة من العادات الرمضانية الجميلة التي عرفها المجتمع المحلي. فشهر رمضان في السابق يضم العديد من الميزات التي تجعلنا نلقي نظرة متأنية إلى المكتسبات والمساوئ التي قد تعتري الإنسان جراء بعض الممارسات الخاطئة.

إن عادة توزيع المأكولات بين الجيران والأصدقاء لم تكن وحدها الشيء الحسن الذي قد طبع في ذاكرتنا فهناك بالتأكيد الكثيرمن العادات الطيبة ، والتي لازالت ولله الحمد مستمرة. ومن أهم تلك العادات كثرة التزاور فيما بين الأهل والجيران والأصدقاء خلال الشهر الكريم ،وكذلك تعطير المجالس بالذكر الحكيم وتلاوة القرآن الكريم، والإكثار من أعمال البر ومساعدة الفقراء والمحتاجين ، بالإضافة إلى عمارة المساجد بالصلاة والتهجد. ومن العادات التراثية القديمة (القرقيعان) في النصف من شهر رمضان، حيث يرتدي فيه الأطفال أجمل ملابسهم ويتجولون بين بيوت الحي ليجمعوا منها ما يطمعون فيه من الحلويات والمكسرات.

وفي مقابل هذه العادات الجميلة وغيرها نرى أننا وبكل أسف نمارس الكثير من العادات السيئة التي قد تكون بعضها عن جهل من أصحابها وقلة وعيهم أو قد تكون عن علم كعادة الإسراف في الأكل حيث أشارت بعض الإحصاءات إلى أن معدل استهلاك الناس للمواد الغذائية في هذا الشهر الفضيل يشكل أعلى النسب مقارنة ببقية شهور السنة الأخرى بالرغم من كوننا نأكل وجبتين في شهر رمضان بدلاً عن الوجبات الثلاث في غيره من الشهور.

وعلى الرغم من أن الصيام نعمة من الله وله فوائد صحية كثيرة أهمها تجديد خلايا الجسم من خلال الجوع الذي يعطي للجسم فرصه في تنشيط عمليتي الهدم والبناء للخلايا إلا أن عاداتنا الغذائية تحول بين الاستفادة القصوى من ذلك فتكثر لدينا المقالي والحلويات فضلاً عن الزيادة في كمية الطعام الزائد عن حاجتنا والذي يكلف سيدة البيت عـناء ووقتاً كبيرين في إعداده، الأمر الذي يحول دون تفرغها لذكر الله والقيام بواجباتها الأخرى لتصنع شتى أنواع الأكلات .

ومن العادات السيئة الأخرى كثرة مشاهدة التلفاز الذي يتفنن فيه أصحاب الفضائيات بتقديم شتى صنوف البرامج والمسلسلات التي لاتسمن ولاتغني من جوع ، وكذلك التكاسل عن العمل والدراسة وكثرة التجمعات عديمة الفائدة وجلسات السهر إلى مابعد صلاة الفجر.

وفي الختام يفترض بنا المحافظة على المكتسبات الحسنة التي اعتدنا عليها في هذا الشهر الفضيل من تواصل وتراحم فيما بيننا كجيران وأهل، وأن نحاول قدر الإمكان الابتعاد عن المساوئ التي تضر بشخصياتنا وأجسامنا ومنها عادات الأكل غير الصحي و مشاهدة التلفاز لساعات طويلة.

رمضان اليوم قد حل علينا ضيفاً كريماً. وهو فرصة لنا لنجدد العهد مع الله ومع أنفسنا لتــنقيتها من المتراكمات الحياتية التي تؤثر على تعاملنا مع أنفسنا.