الكاتب عبدالهادي آل محفوظ    الثلاثاء, 07 يوليو 2009 08:19    طباعة
ليس الأمن هكذا!

بقلم: عبدالهادي آل محفوظ

كثر الحديث في السنوات الثلاث الأخيرة عن الأمن المجتمعي و الإجتماعي، بعدما أن كثرت الجرائم من قتلٍ و اغتصابٍ و سرقةٍ في أوساط مجتمعنا الهادئ إلى وقت قريب حيث كنا في السابق ندهش عندما نسمع في التلفاز، أو عندما نقرأ في الصحف و المجلات عن تلك الأفعال، و كنا نتسائل هل تحولت قلوب هؤلاء المجرمين إلى ضخور صلبة لا تملك أي ذرة من العاطفة الإنسانية.

 و مع انتشار الجريمة و كردة فعل طبيعية لها، انتشرت و تعالت ردود الأفعال المطالبة بالتصدي لها في المجتمع. و كل طرف يتكلم في هذا الموضوع يحمّل طائفة و فئة معينة من المجتمع سواء كانوا رجال دين أو مثقفين أو اجتماعيين أو أولياء أمور أو رجال الأمن أو ربما حملوا الشارع لما يجرى بنا. في الحقيقة، كل أطياف المجتمع و شرائحه المختلفة مسؤولة بشكل ما عن انتشار هذه الظاهرة و بروزها في المجتمع بهذه الصورة المخيفة. و نحن هنا لا نلوم فئة دون أخرى، و لكن دعونا نبحث عن الأسباب الكامنة وراء ظهورها و تفشيها و من ثم معالجتها بمعالجة أسبابها.

تتحكم في أمور الأمن الإجتماعي، ككافة الأمور الأخرى، عدة أمور و مسببات و تختلف عمق المشكلة بختلاف المسببات و عمقها، إما إذا كانت الأسباب متوفرة و قوية، فستكون المشكلة أكبر و أعمق، فإذا كانت أسباب عدم الأمن متوفرة و قوية، كان الأمن منعدم و لا يمكن إشاعته بسهولة. أما إذا كانت أسبابه هشه و جانبية و غير متشعبة و متجذرة في المجتمع فالرجوع إلى الأمن الإجتماعي بسيط و سهل و غير معقد في هذه الحالة. و في اعتقادي بأن مشكلتنا الإجتماعية الأمنية – إن صح التعبير – غير معقدة و غير متجذرة في المجتمع فهي ظاهرة دخيلة – إن سلمنا بالأمر على أنها ظاهرة، و لهذا فالرجوع إلى حالة الإستقرار الأمني المجتمعي سهل إن شاء الله إذا تكاتفنا في معالجة الأسباب المؤدية إلي حالة الفوضى و الجريمة. و يمكننا حصر الأسباب في النقاط التالية التي سوف أسردها دون الخوض في تفاصيلها إلا في نقطة واحدة لإيماني بأنها نقطة مهمة و سبب مهم و مؤثر في صنع حالة الأمن الإجتماعي و كذلك لأنها لم تحضى من الطرح و المناقشة الشئ الكثير.

1.  الوضع السياسي في المنطقة و المحيط بها.

2.  الوضع الإقتصادي.

3.  الوازع الديني – التقوى.

4.  تجاهل طاقات الشباب و عدم إسناد المسؤولية إليهم و البطالة.

5.  الأمن الروحي: هناك حاجة ماسة إلى الإطمئنان الروحي لكي يبقى التوازن في تفكير الإنسان و ينتشله من الفراغ الروحي الذي يؤدي في العادة إلى الأزمات التي تتحول مع مرور الوقت إلى المسببات الحقيقة للعنف و الجريمة في المجتمع.

6.  اللوبي الإجتماعي.

و سأتحدث عن النقطة الأخيرة بشيء من التقصيل.

اللوبي الإجتماعي:


يمكننا تعريف اللوبي الإجتماعي على أنه القوة الإجتماعية التي تأتي في العادة من شخصيات المجتمع بختلاف طبقاتهم لتشكل حاجز و مانع من الإنزلاق وراء ما هو جديد غير موافق مع ما هو متعارف عليه في المجتمع، و ربما تكون الطبقة التي تنتمي إلى الإجيال السابقة في المجتمع هم أكثر من يشكلوا هذه القوة، لأنها ترفض كعادة البشر أي تغيير يطرأ على حياتهم التي إتسمت و ارتسمت على منحى واحد و تشتد هذه القوة مع إبتعاد الظواهر الجديدة عن المألوف في المجتمع من العادات و التقاليد. و هذه القوة لها من الإيجابيات كما لها من السلبيات. و من ايجابياتها كما ذكرت سابقاً، أنه يمكن بهذه القوة تشكيل الحاجز و الواقي الذي نقف به في وجه الأمور الجديدة التي تثير الفوضى و اللأمن في المجتمع. و ظاهرة اللوبي الإجتماعي نجدها متجلية في الماضي، كما كنا نلاحظ إنه عندما يفعل أي شخص في المجتمع فعل غير مقبول، كأن يرفع مستوى صوت المسجل ليُسمع سكان الحي الذي يبعد عن سيارته مسافة غير قليلة الإغنية التي يسمعها، فإنه يتردد كثيراً لأن أغلب أبناء المجتمع سوف يلاحقونه بنظراتهم و بتساؤلاتهم و ربما يصل الأمر إلى أخبار أحد أقربه في حال معرفتهم به. و بهذا الفعل نجد أنه لا يتأتى فعل أي شيء دون استشعار ما ستؤول إليه الأمور عندما يفعل فعلته الغير متوافقه مع أغلب أبناء المجتمع.

و يتصور لي كذلك لتفعيل دور اللوبي الإجتماعي أنه ينبغى لنا أن ننشر و نشيع في المجتمع أمرين هامين، الأول يتمثل في بث روح التسامح و الإخاء بين أفراد المجتمع، و الأمر الثاني متعلق بتعاون أفراد المجتمع من أجل التقليل من الحالات الغير متوافقة مع عادات المجتمع المحافظ. و يأخذ هذا التعاون عدة صور منها الإبلاغ عن أي حالة فيها شبهة أو ريبة، مع الأخذ بعين الإعتبار الحرية الشخصية التي لا يمكن تجاوزها، و لا نقصد - في نفس الوقت - تحويل أفراد المجتمع إلى جواسيس أو رجال حسبة همهم الأوحد ملاحقة الناس و تتبعهم.

 

و لكن بعد مرور الأيام و السنين، أصبحنا الآن نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً من أن يطالنا أحد المجرمين و نحن في منازلنا أو نحن نسير في الطرقات لقضاء بعض حاجيات العيش. ربما لم تتحول الجريمة في مجتمعنا إلى ظاهرة متفشية و هذا ما أذهب إليه و لكن هي في طريقها إلى ذلك مع خطواتها المتسارعة يوماً بعد يوم إن لم نكبح جماحها و نقيدها و من ثم نقضي على وجودها تماماً قبل أن تقضى علينا جميعاً.
تعليقات
بحث
عفوا .. التعليق متاح للاعضاء المسجلين بالموقع ,, التسجيل مجانى ويشرفنا انضمامك لنـا!

3.25 Copyright (C) 2007 Alain Georgette / Copyright (C) 2006 Frantisek Hliva. All rights reserved."

آخر تحديث ( الثلاثاء, 07 يوليو 2009 08:36 )